“حلب” أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان، وأهم المدن في إقليمها وعبر كافة العصور. “حلب” تُعد واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، وموقعها الجغرافي جعلها ذات أهمية كبرى في طرق وممرات التجارة الدولية منذ القدم. هذا الموقع مابين الهند والصين وبلاد الشام والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر؛ كما أنها كانت المدينة الثالثة من حيث النشاط التجاري في عهد الدولة العثمانية بعد إسطنبول والقاهرة، مع كل هذه الجذور العميقة في تاريخ المدينة التجاري والصناعي جعل من أهلها رواد أعمال بإمتياز ومنذ القدم، بل أمتد هذا التاريخ بأهلها وروادها الى وقتنا الحالي، حيث أستطاعوا مع كل هذه الظروف القاسية التي تحيط بهم من إثبات وجودهم مجدداً وأستطاعوا أن يؤسسوا أعمالهم التجارية ومشاريعهم الصناعية مجدداً في كل من تركيا ومصر والأردن وبعض دول الخليج، ولعل قصص النجاح التي أستطاع رواد الأعمال السوريين الذين تتلمذوا على أيدي آبائهم وأجدادهم بأسواق ومصانع “حلب” أكبر شاهد على ذلك. 

 

من منا لم يسمع أو يجرب الصابون الحلبي “صابون الغار الحلبي”، من منا لم يسمع أو يتذوق الزعتر الحلبي الفاخر، من منا لم يسمع “بالفستق الحلبي” أو لم يسمع بجودة زيت الزيتون المنتج من أشجار حلب. 

 

 

كم من الشركات الصينية لم يزرها أحد صناعي أو تجار حلب؟ كم من الشركات أو المعارض التجارية في اسطنبول - شنغاهي - باريس - لندن - فرانكفورت؛ لا تعرف أحد من تجار حلب؟ كم من المصريين لا يعرف جودة الانتاج الصناعي الحلبي؟ كم من اللبنانيين لم يزر أحد المدن السورية بشكل أسبوعي ليتسوق ويتبضع من منتجات مصانع حلب؟ كم من التجار الخليجين لم يزر المكاتب التجارية في دمشق ليثبت طلبياته من المصنوعات والمشغولات الحلبية؟ كم من الشركات الفرنسية والألمانية والأوربية لم يتعاقد مع صناعي “حلب” لتصنيع أفخر أنواع الملبوسات والمنسوجات لصالح علاماتهم التجارية؟ كم من التجار “الروس” زاروا تلك المدينة وتسوقوا من مصانعها ومحلاتها بكميات كبيرة؛ كم وكم وكم. لعل القائمة تطول في تعداد كم من العلاقات التجارية بين حلب وباقي المحافظات السورية، والدول العربية، والدول الأجنبية الأخرى، وعبر عشرات السنين. ويكاد لا يوجد بلد حول العالم مهما صغُر أو كبُر لم يسمع “بحلب”. 

 

 

كل هذه التسأولات تجعلنا نُدين لحلب الكثير، لصناعييها، وتجارها، وعمالها. وتفرض علينا صرخة واحدة ولو ليوم واحد بإتجاه ما آلت إليه المدينة اليوم بعد كل هذا التهجير والتدمير، بعد كل هذا القصف الممنهج من قبل الآلة العسكرية بحجة مكافحة الإرهاب ! عن أي إرهاب نتحدث وعن أي إرهاب عهده كل من زار المدينة وتعرف الى أهلها وسكانها، أو إلتقى بأحد منهم. 

“حلب” تحتاج اليوم من صناعييها الأصيليين أولاً وتجارها ثانياً الوقوف بجانب عُمالهم وأُسرهم، الدفاع عن تلك المناطق التي إحتضنتهم وإحتضنت صناعتهم وتجارتهم في “حلب”، تحتاج لكل من تسوق أو زار “حلب” من قبل، لأن يشهد لتلك المدينة وأن يساهم بما أستطاع في مجتمعه المحلي، “حلب” تحتاج من الشركات العالمية الكبرى تبني حملات مناصرة لدعم أهل هذه المدينة التي أنتجت أهم منتجاتهم في فترة من الفترات.

 

“حلب” اليوم هي بحاجة لكل فرد على حدى لأن يذكر على الأقل تجربته مع هذه المدينة و أن يسرد لمن حوله قصته، وأن يُعبر ويشارك عبر أية وسيلة يختارها لايصال صوته حول ما يجري بحلب اليوم. 

 

نعم “حلب” تستحق منا جميعاً الوقوف والتعبير عن رفضنا لما حدث لتلك المدينة ولأهلها الأصيلين.