صديقنا ياسر شاب عصامي سوري شغوف في الاطلاع وتعلم فنون الصناعة والتكونولوجيا الصناعية الحديثة، نشأ ياسر من أسرة كانت تعمل في تجارة الأقمشة في مدينة حلب الصناعية والذاخرة بعبق التاريخ وطريق الحرير.
فترعرع هناك بين أسواقها وطرقاتها المسقوفة وخاناتها حتى أصبح أحد أهم الناشطين والمدافعين عن هذه الخانات والأسواق التجارية؛ وكعادة أهل حلب تدرج ياسر من التجارة شيئاً فشيئاً حتى بدأ يظهر عشقه للصناعة ولخطوط الانتاج، وبدأ رحلته المكوكية الى كل من الصين وتركيا زائراً لعدد من المعارض والمنشآت، وفي أحد الزيارات بدأ اهتمامه في صناعة وانتاج المطاط الطبيعي (كمادة جديدة غير موجودة في الأسواق) وعندها قرر خوض التجربة بكل ما تحتويه من تحديات وصعوبات، فبدأ مغامرته كعادة العصاميين من غرفته ومطبخ عائلته لممارسة تجاربه الأولية لتحضير هذه المادة (المطاط) وانتاجها صناعياً
وعندها احتاج الأمر للبحث عن بعض الآكاديميين لتعلم بعض التقنيات وللحصول على اجابات حول بعض الاسئلة ولفهم التركيب الكيميائي لهذه المادة؛ بل وصل فيه الأمر أبعد من ذلك، البحث عن خبير دولي (ايطالي الجنسية) والتواصل معه وتحديد موعد لزيرته ولقائه كموجه له؛ وفعلاً كان الموعد للقاء في مدينة موسكو الروسية (التي كان يعمل بها كخبير لأحد المصانع) وكانت بداية اللقاء بالطلب من صديقنا ياسر شراء كتابه حول المطاط بمبلغ ١٥٠٠$ أمريكي وتحديد تكلفة الجلسة الواحدة لاجابته عن أسئلته وإعطائه بعض النصائح حول هذه الصناعة.
بعد هذه الرحلة شعر ياسر بأنه أصبح لديه كل الخبرة النظرية والعملية لانتاج هذه المادة صناعياً وانتاج الوسائد والفرشات منها؛ وقرر السفر الى الصين لشراء ماكينة الانتاج وبعض المعدات والقوالب اللازمة للعملية الانتاجية.
نجح ياسر في شراء الماكينات البدائية، واختار ياسر تركيا لتأسيس مصنعه فيها ونجح بالعثور على شريك تركيا ظناً منه ان شريكه التركي سوف يساعده في الدخول الى السوق المحلية وسوف يتكبد عناء التسويق، في حين ان الشريك التركي لم يكن يعلم شيء عن هذا المنتج، وأن جُل غايته هو مارأه من عصامية ذلك الشاب وحماسته واندفاعه للعمل وتأسيس هذه الصناعة . بعد أشهر بسيطة انتهى ياسر من تأسيس الشركة قانونياً ومن تنصيب الماكينات وبدأ في انتاج النماذج الأولية من الوسائد، لكن المفاجأة كانت حينما وقع ياسر في فخ التسويق في بلد أجنبي لا يتقن لغته ولا يعلم فنونه؛ أما مفاجأة شريكه التركي فقد كانت حينما علم بأن تأسيسه وشراكته في هذا المصنع، يكون المصنع الأول والفريد من نوعه على مستوى تركيا والذي ينتج هذه المادة، وبأن تركيا تستورد هذا المنتج الجاهز من دول أوربية عديدة.
وعندها بدأ العديد من الخبراء المحليين والدوليين والزبائن أصحاب الاختصاص من زيارة ذلك المصنع المتواضع في جنوب تركيا والذي أسسه ياسر بتكاليف بسيطة جداً وبمجهوده الفردي، ليروا بأم أعينهم بأن هذا المنتج يتم انتاجه في تركيا.
ما ينقص هذه القصة الجميلة هو النهاية السعيدة، و وجود دور لإحدى الجهات الحكومية أو وكالات تشجيع الاستثمار أو منظمات رعاية رواد الأعمال أو أو ...الخ؛ كان حريٌ بتلك الجهات الانتباه والبحث عن هذه القصص وعن هؤلاء العصاميون الذي يملكون الفكرة والايمان والاصرار على انجاحها ورعايتها وتوجيهها للطريق الصحيح ودعمها مادياً ومعنوياً من خلال الترويج والاعلان والرعاية وتقديم الامكانيات البحثية والتقنية لهم؛ وكي لا أبالغ في تحميل هذه الجهات أسباب فشل هذه التجربة، فإن جزء من المسؤولية يقع على عاتق الشريكان أنفسهم وان تحمل الشريك التركي صاحب العلاقات والخبرة في الأسواق التركية مسؤولية التواصل مع هذه الجهات وطلب الدعم والتشجيع منهم. في النهاية أن أؤمن بأن هذه التجربة تستطيع أن تنهض من جديد وتستطيع أن تحظى بهذا الدعم الحكومي رغم كبوتها، وأن اصرار الشخص العصامي على انجاح فكرة مشروعه الخاص هي الضمان على نجاح هذه الأفكار دائماً