في خضم هذا النسيج الديناميكي لريادة الأعمال التركية، وفي شوارع تركيا المزدحمة، يجد رواد الأعمال العرب أنفسهم في مُوقف مُعقد من الثقافات والأنظمة والأسواق، ويتحركون خارج حدود أوطانهم العربية الأصلية.  سوف نكتشف عبر هذه المقال السردية الفريدة على مدى العقد الماضي - سردية المرونة والتكيف والنجاح ضد الصعاب.  من خلال عملي كمُدرب ومُرشد للعديد من رواد الأعمال العرب الذين يتنقلون في مشهد الأعمال التركي، فقد شهدت بنفسي القوة التحويلية والتغيير في ريادة الأعمال بالنسبة للمهاجرين واللاجئين في تركيا، ومدى تطورها عبر هذه السنوات العشر.

 

إن جوهر ريادة الأعمال بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في أرض جديدة وبلد مُضيف لهم، يتجاوز مجرد الأعمال التجارية التقليدية التي عهدناها في منطقتنا العربية. إنها مغامرة جريئة في منطقة غير مألوفة لهم، وتتطلب القدرة على التكيف والفطنة الاستراتيجية. إن النظام البيئي للأعمال التجارية المحلية في تركيا، يختلف عن الأوطان التي تركها رواد الأعمال العرب في أوطانهم من حيث قوانين الأعمال، و الضرائب، وقوانين العمل، والأهم هو فقدان البيئة الداعمة والمساعدة لريادة الأعمال من مناهج دراسية و حاضنات ومسرعات للأعمال؛ الأمر الذي يتطلب منهم مجموعة فريدة من المهارات والمرونة والمعرفة.

 

تعكس قصص النجاح الحقيقية للعديد من رواد الأعمال الشباب في تركيا من تأسيس شركاتهم الناشئة إلى مشاركتهم وفوزهم في أهم المسابقات الابتكارية في تركيا، تعكس الأثر التحويلي لريادة الأعمال ومدى تطورها عبر تلك السنوات العشر. لقد حوّل رواد الأعمال العرب في تركيا الشدائد ومعاناتهم إلى فرص، وأظهروا المرونة والتصميم. إن قصص الانتصار على الصعوبات الثقافية واللغوية والتنظيمية بمثابة مصدر إلهام وتحفيز لرواد الأعمال الطموحين الجدد من أبناء الجيل التالي.

 

إن حكايات النجاح هذه لا تمثل مجرد انتصارات اقتصادية للبلد المُضيف؛ بل هي أيضاً تُجسد روح المُبادرة كمُحفز للتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وإلى جانب الاستقلال المالي الذي يساهم به رواد الأعمال العرب في تركيا، يُساهم رواد الأعمال المهاجرون واللاجئون العرب بشكل كبير في مساعدة ودعم مُجتمعاتهم الأصلية، مما يوجد العديد من فرص العمل المحلية ويعزز الابتكار، ويفتح الباب أمام بناء جسور للتجارة الخارجية بين تركيا و أوطانهم الأصلية في شرق المتوسط وشمال أفريقيا.

 

ومن هنا تظهر أهمية وجود برامج تدعم وتدعو لريادة الأعمال و مُدربون ومُرشدين باعتبارهم العمود الفقري في هذه الرحلة الريادية، حيث يوفر تقديم تلك البرامج التدريبية في اللغة العربية إرشادات بالغة الأهمية من خلال فهمها للسياق العربي ليس فقط بشأن تعقيدات الأعمال ولكن أيضًا بشأن الفروق الثقافية والتنظيمية الدقيقة بين الدول العربية وتركيا. وهنا يتحول موجهين الأعمال الى منارات لدعم رواد الأعمال، ويقدمون لهم رؤى واستراتيجيات للتغلب على العقبات وتجاوزها، وتحويل مسيرتهم إلى قصة نجاح من المحلية إلى العالمية من خلال تشبيكهم مع المستثمرين العرب ومساعدتهم للانخراط والاستفادة من النظام الريادي وبرامج الحوافز المتنوعة الداعمة من قبل الحكومة التركية.

 

ومع ذلك، فإن الرحلة ليست بالأمر السهل. بدأً من الحواجز اللغوية إلى التعقيدات القانونية، حيث تكثر التحديات والصعوبات، إن هذه العقبات بالتحديد هي التي تختبر عزيمة رواد الأعمال العرب، وتدفعهم إلى الابتكار والتكيف والنجاح.

 

وبالنظر إلى المستقبل، فهنا يجب أن ينصب التركيز على تعزيز برامج الدعم المستمرة، وبرامج التدريب والإرشاد، والمبادرات. ولا يجب أن تقتصر ريادة الأعمال بين المهاجرين واللاجئين على النجاح الفردي فحسب، فبعد عقد من الزمن يجب أن تنتقل إلى النجاح على الصعيد الجماعي التعاوني ويجب أن تُمثل سردًا جماعيًا للتكامل في المجتمعات المضيفة. بينما نحتفل بمرور عقد من انتصار ريادة الأعمال العربية في تركيا، فإننا نتصور مستقبلًا تستمر فيه القوة التحويلية لريادة الأعمال في تشكيل الحياة والمجتمعات الأصلية والمضيفة.