أطلقت تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي رسميًا مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بينهما، وهو ما يمثل تطورًا مهمًا في العلاقات التجارية الدولية. وإذا تم الانتهاء من هذه الاتفاقية مع نهاية هذا العام أو بداية العام المُقبل، فقد تؤدي إلى إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم، بقيمة تقدر بنحو 2.4 تريليون دولار أمريكي. وتكتسب هذه الجولة من المفاوضات أهمية خاصة بسبب المشهد الجيوسياسي المتغير في المنطقة والاقليم؛ والفوائد الاقتصادية المحتملة التي تعد بها لكل من تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، بعد سنوات من المحادثات الجارية والتحالفات الاستراتيجية الأخيرة في المنطقة.

 

 

دور اللاجئين السوريين: إمكانات غير مستغلة

بينما نتطلع نحن السوريون إلى النجاح المحتمل لتلك الاتفاقية، فمن الضروري أن يُدرك الطرفين الدور الاستراتيجي الذي يمكن أن يلعبه اللاجئون السوريون في تركيا في تيسير هذه الاتفاقية وإنجاحها. إن اللاجئين السوريين في وضع فريد من نوعه للعمل كوسطاء وجسر لمرور البضائع بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي بالاتجاهين. ونظراً لمهاراتهم اللغوية وفهمهم الثقافي وشبكاتهم التجارية الراسخة داخل المنطقة، فإنهم مؤهلون بشكل مثالي لتعزيز فعالية تدفقات التجارة

بين الطرفين.

 

 

إن هؤلاء الأفراد، الذين بنوا حياة جديدة لهم في تركيا مع محافظتهم على علاقات قوية مع العالم العربي، يشكلون أصلاً غير مُستغل في سياق اتفاقية التجارة الحرة هذه. إن مشاركتهم لا يمكن أن تعزز كفاءة وحجم التجارة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي فحسب، بل إنها تخلق أيضاً فرصاً اقتصادية جديدة لسكان واجهوا تحديات كبيرة على مدى العقد الماضي.

 

 

فرصة مربحة للجانبين

إن دمج اللاجئين السوريين في عملية التجارة من شأنه أن يفيد كل من تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي. وبالنسبة لتركيا، فإن هذا يعني الاستفادة من الموارد البشرية القيمة التي هي بالفعل جزء لا يتجزأ من اقتصادها. وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن هذا يعني اكتساب القدرة على الوصول إلى قوة عاملة تفهم الفروق الدقيقة في السوق التركية مع الانسجام مع الممارسات الثقافية والتجارية في منطقة الخليج. ويمكن أن يؤدي هذا التكامل إلى إنشاء طرق تجارية جديدة، وتعزيز تدفق السلع، والمساهمة في نهاية المطاف في النمو الاقتصادي لجميع الأطراف المعنية.

مع تقدم المفاوضات، من الأهمية بمكان النظر في الآثار الأوسع نطاقا لهذه الاتفاقية التجارية الحرة وكيف يمكن هيكلتها لتعظيم الفوائد لجميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك مجتمع اللاجئين السوريين في تركيا. ومن خلال القيام بذلك، لا تستطيع تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم فحسب، بل وأيضًا تعزيز بيئة اقتصادية شاملة تعترف بالقوة الفريدة للسكان المتنوعين داخل حدودها وتستخدمها.

 

 

التطلع إلى المستقبل

لا شك أن الجولة القادمة من المفاوضات ستكون حاسمة في تشكيل مستقبل العلاقات التجارية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي. وبينما يعمل الطرفان نحو التوصل إلى اتفاق نهائي، هناك فرصة للتفكير بشكل إبداعي حول كيفية دمج جميع الموارد المتاحة وأهمها رأس المال البشري في هذه الصفقة التاريخية. إن إدراج اللاجئين السوريين كوسطاء رئيسيين في عملية التجارة هو إحدى هذه الفرص التي قد تفتح آفاقاً جديدة وتضمن النجاح الطويل الأجل لاتفاقية التجارة الحرة هذه.

 

وفي الختام، في حين تعد اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا بفوائد اقتصادية كبيرة، فإنها تقدم أيضاً فرصة ذهبية لبناء بيئة تجارية أكثر شمولاً وديناميكية تستفيد من مواهب وقدرات كل من قد يستفيد من هذه الاتفاقية التاريخية.