المقدمة

بعد سقوط النظام السابق في سوريا، يبرز مجدداً للواجه ملف الإقتصاد السوري كمعضلة تحتاج إلى حلول إبداعية وجهود جماعية - وهي فرصة حقيقية ليلعب القطاع الخاص السوري دوراً فاعلاً في صياغة مستقبل سورية الجديدة. مع 90% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر وبنية تحتية مدمرة، يواجه الاقتصاد تحديات هائلة تتطلب استجابة منسقة. في قلب هذه الاستجابة، يلعب القطاع الخاص السوري، سواء داخل سوريا أو في الشتات، دورًا رئيسيًا في إعادة بناء الاقتصاد وتحقيق الاستقرار على كافة الأصعدة الأمنية، والاقتصادية، والمجتمعية. ومع ذلك، يتطلب الأمر رؤية اقتصادية مشتركة تجمع بين جهود القطاع الخاص المحلي والخارجي لتلبية الاحتياجات الهائلة للمجتمع.

 

الواقع الاقتصادي الحالي

شهد الاقتصاد السوري وضعًا هشًا بهجرة أكثر من 70٪ من القطاع الخاص السوري خارج البلاد منذ شهر حزيران 2012؛ حيث يتميز الاقتصاد اليوم بدمار البنية التحتية وتآكل الثقة بالمؤسسات الحكومية، والفساد الإداري. القطاعات الاقتصادية داخل البلاد تعاني من شح الموارد وضعف التنظيم، في حين مازالت تواجه الشركات السورية في الخارج تحديات التكيف مع أسواق جديدة والتواصل مع الداخل رغم هذه السنوات. ومع ذلك، يوفر سقوط النظام السابق فرصة نادرة لإعادة هيكلة الاقتصاد ليصبح أكثر شمولية واستدامة.

القطاع الخاص السوري يمتلك المعرفة بالسياق المحلي والعلاقات المجتمعية التي تتيح تنفيذ مشاريع مؤثرة على الأرض. في المقابل، يتمتع القطاع الخاص السوري في الشتات بموارد مالية، وعلاقات دولية، وإمكانية نقل المعرفة والتكنولوجيا.

تضافر جهود القطاع الخاص السوري في الداخل والخارج هو المفتاح لإطلاق رؤية اقتصادية متكاملة.

 

دور القطاع الخاص داخل سوريا

داخل سوريا، يتعين على القطاع الخاص أن يتحمل مسؤولية مباشرة تجاه:

بث رسائل الطمأنينة للمستهلك المحلي: من خلال تبني أدوار المسؤولية المجتمعية؛ الذي سوف يكون الرافعة الحقيقية لاقتصاد متعافي مستقبلاً.

إعادة الإعمار المحلية: الشركات المحلية في سوريا هي الأكثر قدرة على تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار بالنظر إلى معرفتها بالسياق المحلي. يمكنها العمل على إعادة بناء البنية التحتية والخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون بشكل عاجل؛ لكن بشرط أن تكون إعادة الإعمار وفق معايير تكنولوجيا اليوم.

خلق فرص العمل: بإمكان القطاع الخاص المحلي تقديم مساهمات ملموسة في تقليل البطالة عبر إطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم تركز على القطاعات الإنتاجية والخدمية؛ والتشجيع على بدء واطلاق المشاريع الخاصة - ريادة الأعمال.

تعزيز الثقة المجتمعية: دور القطاع الخاص المحلي يتجاوز الربح ليشمل تعزيز الاستقرار الاجتماعي عبر مشاريع مجتمعية تدعم الفئات الأكثر ضعفًا.

 

دور القطاع الخاص السوري خارج سوريا

في الوقت نفسه، يمتلك القطاع الخاص السوري في الخارج دورًا استراتيجيًا لا يقل أهمية:

الاستثمار وتمويل المشاريع: يمكن لرأس المال السوري في الشتات أن يوفر التمويل اللازم لإطلاق مشاريع استراتيجية داخل سوريا.

نقل المعرفة والتكنولوجيا: عبر التعاون مع شركات دولية ومنظمات تنموية، يمكن للسوريين في الخارج نقل الخبرات والتكنولوجيا لدعم الاقتصاد المحلي.

تعزيز التعاون الدولي: من خلال علاقاتهم مع الأسواق العالمية، يمكن للسوريين في الخارج الترويج لبيئة الأعمال السورية وجذب الشركاء الدوليين.

 

رؤية اقتصادية مشتركة للقطاع الخاص

لضمان تكامل الأدوار بين المجموعتين، يجب وضع رؤية اقتصادية مشتركة تتضمن:

منصة للتنسيق: إنشاء مجلس اقتصادي يجمع ممثلي القطاع الخاص المحلي والخارجي لتنسيق الجهود ووضع الأولويات.

آليات تمويل مشتركة: تأسيس صناديق استثمارية تجمع رأس المال السوري من الداخل والخارج لدعم مشاريع إعادة الإعمار والتنمية.

تحديد أولويات القطاعات: التركيز على قطاعات حيوية مثل الزراعة - والصناعة الزراعية، الطاقة المتجددة، والبنية التحتية الرقمية.

إطار للشفافية والمساءلة: لضمان أن المشاريع المدعومة تعود بالنفع على جميع السوريين.

دور منصة "تطوير" في تعزيز التعاون الاقتصادي لسوريا الجديدة

تأتي منصة "تطوير" كنموذج يحتذى به في تمثيل القطاع الخاص السوري عبر السنوات ال 10 الماضية، حيث تجمع بين المعرفة بالسياق المحلي والخبرة الدولية. يمكن لـ"تطوير" أن تلعب دور الوسيط بين القطاع الخاص المحلي والخارجي عبر:

تصميم مشاريع مشتركة تلبي احتياجات السوق السورية.

تنظيم مؤتمرات اقتصادية لتعزيز التواصل بين الشركات السورية في الداخل والخارج.

تقديم استشارات استراتيجية لبناء شبكات أعمال متكاملة ومستدامة.

 

خطوات تعزيز الثقة الاقتصادية

إعادة بناء الثقة الاقتصادية تتطلب خطوات ملموسة تشمل:

إصلاح القوانين والتشريعات: لخلق بيئة تشجع الاستثمار المحلي والدولي.

تعزيز الشفافية والمساءلة: إنشاء مؤسسات رقابية لضمان نزاهة الأعمال.

إطلاق حملات مجتمعية: لتعزيز دور القطاع الخاص في إعادة البناء ودعم الفئات الأكثر احتياجًا.

تشجيع الشراكات الدولية: لاستقطاب الخبرات والموارد المالية.

 

التحديات المستقبلية

لا شك أن التحديات كبيرة، منها عدم الاستقرار السياسي، غياب الثقة، واستمرار العقوبات الاقتصادية. مع ذلك، فإن التعاون بين القطاع الخاص المحلي والخارجي يمكن أن يقدم حلولاً مبتكرة لمواجهة هذه التحديات.

 

الخاتمة

يمثل القطاع الخاص السوري، سواء داخل البلاد أو خارجها، حجر الزاوية في بناء مستقبل اقتصادي مستدام. بتضافر جهودهما، يمكن تحقيق رؤية اقتصادية تعيد الثقة للمجتمع وتؤسس لنمو مستدام.

شركات مثل "تطوير" ليست فقط مثالًا على الاحترافية، بل هي صوت القطاع الخاص السوري القادر على بناء الجسور بين الداخل والخارج. فإعادة بناء سوريا ليست مسؤولية فردية بل مهمة وطنية تتطلب التكاتف والعمل المشترك.